Categories
أنشطة المركز ليبيا

فيضان درنة

لا يسعنا في هذه الظروف الصعبة إلى أن نردد بقلوب مؤمنة ” قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا و على الله فليتوكل المؤمنون” و قوله تعالى “و لنبلونكم بشيء من الخوف و الجوع و نقص من الأموال و الأنفس و الثمرات و بشر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله و إنا إليه راجعون، أولائك عليهم صلوات من ربهم و رحمة و أولائك هم المهتدون.”

إننا إذ نشارك إخوتنا في درنة و البيضاء و سوسة و شحات و كافة مدن برقة أحزانهم و آلامهم في ضحايا الفيضانات و السيول الجارفة التي أودت بحياة أكثر من ألفي مواطن، لنرفع أكف الضراعة إلى الله العلي القدير بأن بتقبل الموتى بواسع رحمته و عظيم مغفرته و أن يجعل مثواهم الجنة مع النبيين و الشهداء و الصديقين و أن يلهم أهلهم و ذويهم الصبر و السلوان، كما ندعوه جلت قدرته أن يشفي الجرحى و يعيد المفقودين إلى أسرهم و عائلاتهم سالمين غانمين.

مما لا شك فيه سوف يسارع الكثيرون عن حسن نية و بقلوب صادقة لتقديم المساعدات و الإغاثة لأهالي درنة و المدن المنكوبة في برقة، فهذه من شيم و أخلاق المجتمع الليبي المتشبع بقيم الرحمة و التكافل و الإنسانية التي هي من روح الإسلام.

و بالتأكيد سوف تتبارى الحكومتان على الإعلان عن دفع التعويضات للمتضررين و الوعد بإعادة بناء المساكن و المباني المهدمة، بعيدا عن العواطف و المزايدات السياسية هل هذا يكفي و فعلا ما تحتاجه البلاد؟

لعل ما وقع في درنة يكون عظة و عبرة لنا أن السكوت عن الفساد و الاستهتار و الظلم نتيحته وخيمة و أكبر و أعظم من كل الحروب التي عاشتها ليبيا، فالسؤال من يتحمل هذا العدد المهول من الضحايا، سوف يقول الكثيرون هذه عاصفة استثنائية و كارثة طبيعية تسببت في فيضان لم نشهد له البلاد مثيلا.

صحيح العاصفة قوية و شديدة و هو أمر قدره المولى عز و جل، و لكنه سبحانه و تعالى سخر لنا العقل و العلم و المعرفة و التكنولوجيا و المال لنصون أرواح أبناءنا و نحفظ ممتلكاتهم، و يبقى السؤال هل قمنا بذلك ؟ بالتأكيد لا.

لقد استعملنا كل هذه النعم لنشن الحروب و لنقسم البلاد إلى مربعات أمنية ضيقة لا تخدم المصالح الواسعة للمواطنين.

صراحة نتحمل جميعا مسؤولية ما وقع في درنة و البيضاء و سوسة و شحات و غيرها من المدن، لو اتخذنا إجراءات احترازية و وقائية بسيطة لكانت الأضرار أقل، و لكنا اليوم نبارك لأنفسنا أننا حافظنا على ما أمر الله به و هي أرواح غالية على الله عز و جل و علينا.

الجميع كان يعلم أن العاصفة دانيال متجهة إلى ليبيا، قادمة من اسبانيا التي خلفت فيها بضعة ضحايا، فلماذا لم تتخذ إجراءات بسيطة، كان أولها معاينة السد و تفريغ حمولته قبل هبوب العاصفة بأيام ؟ ثم لماذا لم يتم إجلاء السكان من الأماكن القريبة من الوادي، خاصة و أنه معروف أن أودية شمال افريقيا ليس لها مجرى محدد و في حالة الفيضان يكون السيل عنيفا و يمتد أفقيا على مسافات بعيدة ؟ و السؤال الأهم كيف أعطت الدولة رخص البناء في مجرى الوادي ؟ ثم لماذا لم تجرى حملة لتنظيف المجاري و إعدادها لاستقبال موسم الأمطار ؟

لقد منع السلاح و الفساد و الانتهازية السياسية المبتذلة أهل الاختصاص و المهنيين من العمل وفق المواصفات و المعايير العلمية و الفنية للحفاظ على ما حبى الله به هذه البلاد من طبيعة و مدن جميلة و متنوعة و مآثر و حضارة و ثروات، لقد ضاع كل شيء في حروب لا معنى لها و صفقات سياسية عقيمة و بليدة تخدم الفساد و لا شيء غير الفساد.

لنحترم أرواح أهلنا، فهم ليسوا ضحايا الفيضانات فقط و لكنهم ضحايا الفساد و الدمار و العنف و الانتهازية، فهم ضحايا مجاملات فارغة أتت على الغالي و النفيس.

هذا نداء إلى الجميع ليبيين و مجتمع دولي على رأسه بعثة الأمم المتحدة، كفانا عبثا و كفانا لعبا بأرواح الأبرياء.

واجبنا الآن أن نبدأ صفحة جديدة تحترم كرامة و روح المواطن و حقه في الحياة الآمنة الرغيدة و السعيدة.

هل نتعظ و نستوعب الدرس أم سيستمر عبثنا و نفاقنا و مجاملاتنا الفارغة، و تتوالى المصائب و الجراح و الآلام ؟

تحتاج البلاد إلى مسؤولين نزهاء يحترمون أرواح المواطنين و كرامتهم، يحترمون العلم و المعرفة و الأخلاق، مسؤولين شجعان يقفون ضد العنف و إرهاب المواطنين، كفانا اسنهتارا و لعبا بأرواح الناس.